بيـان

اجتمعت الأمانة الوطنية للتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية في دورة شهرية يوم الجمعة 2 جويلية 2021 بالجزائر العاصمة لمناقشة النشاط الحزبي والوضع العام السائد في البلد.

وبالمناسبة، ثمّنت الأمانة الوطنية بالحماس والإقبال الذي أبداه المناضلون الشباب خلال دورات التكوين الأولى، التي أشرف عليها إطارات من الحزب في عدة مناطق من البلاد، عقب الإعلان عن افتتاح معهد التقدميين من قبل الأمانة الوطنية للتكوين.

بعد قرابة عامين ونصف من انطلاق ثورة 22 فيفري 2019 المظفرة، يعتبر التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية أن الأمور باتت محسومة. فهناك من اختار طريق الأسوأ بالوقوف ضد نداء الشعب أو بركوب موجة الحراك في بداياته لينقلب إلى صف الداعمين لنظام تجاوزه الزمن ولا مشروع له سوى الحفاظ على بقائه. وهناك من اختار، ومن ضمنهم الأرسيدي، نقل صيحات وتطلعات الجزائريين لبناء دولة قانون ديمقراطية حقيقية.

ولقد جاء الثاني عشر جوان الماضي ليؤكد مرة أخرى متانة الاحتجاج الشعبي ومدى إصرار الشعب على مواصلة نضاله من أجل جزائر حرة وديمقراطية، وعلى لفظه للسلطة في كل استشارة انتخابية (الرائسايات وبعدها الاستفتاء الدستوري، ثم التشريعيات).

لقد بلغ حجم الامتناع عن الانتخابات التشريعية الأخيرة مستوى لم يعد يسمح بإخفائه أو بتضخيم نسبة المشاركة إلى حدود مفضوحة. ثم إن التذبذبات والمماطلة الملاحظة أثناء الإعلان عن نسبة المشاركة الوطنية، بعد “اختراع” ما سمية بمعدل المشاركة، ينّم عن وجود تجاذبات بين مراكز صنع القرار حول الطرق المتبّعة للتلاعب بالنتائج. وتجدر الإشارة إلى أنه إلى حد الساعة، لم تجد السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات ولا وزارة الداخلية ولا المجلس الدستوري بداً في إطلاع الرأي العام على النتائج التي حصلت عليها القوائم المتنافسة في هذه المهزلة الانتخابية.

كان الرهان المستحيل الذي أسس عليه النظام خلال هذه الانتخابات، يكمن في الاعتماد على نفس الرجال المنبثقين من نفس النظام لتشكيل مجلس وطني مختلف. وفي النتيجة، وجد نفسه ببرلمان متكون من أنذل أنصار بوتفليقة، مؤكدا على حقيقة ناصعة، وهي أن”الجزائر الجديدة” التى طالما تغنى بها ليست سوى جزائر بوتفليقة في أسوء وجوهها!

إن السلطة فاقدة الشرعية، وبعدما فقدت السيطرة على الوضع السياسي في البلاد، أصبحت مذعورة وراحت تقمع بعشوائية. فالمناضلون السياسيون ونشطاء ثورة فيفري يعتقلون بالآلاف في شتى أنحاء البلاد، وبلغت أبعادًا غير مسبوقة في الأشهر الأخيرة. أكثر من 300 مناضل يقبعون في السجن وهذه القائمة الطويلة تزداد كل يوم، وآخرهم فتحي غراس، المسؤول المسئول الأول في حزب سياسي معتمد. تتمادى السلطة في تسخير العدالة وأجهزة الأمن من خلال تجريم أي عمل سياسي أو مواطني يعارض التطبيع العنيف المنتهج حاليا. اليوم، صار مجرد الدعوة إلى تغيير النظام يعتبر عملاً إرهابياً. هذا القمع الشامل والاستفزازات التي تستهدف بعض المناطق تشكل تهديدا لوحدة البلاد. وإن التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية يدعو المواطنين إلى توخي أقصى درجات الحذر. إن الحفاظ على الطابع السلمي للحراك وترسيخه هو خيار حيوي. والتضامن مع المعتقلين وأهاليهم أولوية مطلقة.

على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، جاءت أزمة المياه لتزيد الوضع تعقيدا، بعد أن أخذت أبعادًا مقلقة في جميع أنحاء البلاد وخاصة في الجزائر العاصمة، حيث تعيش أحياء بأكملها بدون مياه الشرب. مع أننا ما زلنا في بداية الصيف. أمام تصاعد غضب السكان، الذين يضطرون أحيانًا إلى قطع الطرق في منتصف الليل للتعبير عن آرائهم، لم تجد السلطات العمومية حلا آخر لصرف الأنظار عن تسييرها الكارثي غير تحمي المسئولية على أصحاب محطات غسل السيارات وسكان الطوابق الأرضية للعمارات. كما أن إفلاس السلطة في تسيير الاحتياطي الاستراتيجي من مياه السدود والمياه الجوفية لات يقبل أي جدل. وتتجلى عدم مسؤوليتها وعدم كفاءتها في قلة الاستثمارات الخاصة بترقية سياسة مائية متكاملة على الرغم من البحبوحة المالية التي كانت متوفرة في العقدين الماضيين.

قبل أيام قليلة من نهاية العام الدراسي، لا يسعنا إلا أن نلفت الانتباه إلى أن الجامعة الجزائرية سجلت عامين متتاليين من ضعف الأداء نتيجة الأزمة الصحية والإدارة الكارثية القائمة على الترقيع بدلا من الإصلاح. فالتدريس عن بعد (أو الافتراضي)، بدون وسائل تعليمية وبدون تفاعل، اصبح مختصرا في إرسال دروس في شكل ملفات pdf أو روابط أو ملاحظات مكتوبة بخط اليد وترسل مصورة عبر الأنترنت، في حين أن نسبة كبيرة من الطلاب يفتقدون التجهيزات اللازمة ولا يملكون ربطا بالإنترنت بالسرعة الكافية لمتابعة الدروس من منازلهم أو أحيائهم الجامعية. وتجرى الامتحانات عبر الإنترنت في ظروف لا يملك فيها المدرس أي إمكانيات لتحديد هوية الطالب الذي يمتحنه. كما انخفضت الأحجام الساعية للمواد المدروسة حضوريا، بسبب خطة تقسيم الأقسام إلى مجموعات، بشكل كبير بحيث لم يكن من الممكن إكمال أي من البرامج التعليمية المقررة. مرة أخرى، تضطر الجامعة إلى إصدار شهادات عديمة ودون أي مقابل من حيث المعرفة والخبرات المطلوبة.

تسببت تداعيات الأزمة الصحية وعجز السلطة الصارخ في زعزعة الجالية الوطنية المقيمة في الخارج التي تعذر عليها الدخول إلى أرض الوطن منذ بداية الوباء. قبل شهر، أعلنت السلطات جهارا نهارا عن استئناف الرحلات الجوية مع أوروبا وخاصة فرنسا. هذه الأخبار أعادت الأمل للمغتربين قبل أن يصابوا بخيبة أمل سريعًا نظرًا لضآلة عدد الرحلات الجوية وأسعار التذاكر الباهظة وظروف الاستقبال السيئة في الجزائر.

إن المد الثوري الذي انطلق في 22 فيفري 2019، وسبق له وأن منع عهدة خامسة مهينة وأزاح الرئيس السابق، يحمل في طياته التطلعات العميقة للشعب الجزائري لممارسة سيادته. إن التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية يرى أن سياسة إعادة بعث النظام بقوانينه الجائرة وقمعه وسلبه للحريات الأساسية وزرع التفرقة تشكل خطراً على البلاد وعلى وحدتها وسلامتها. تتحمل سلطة الأمر الواقع بكل واجهاتها المسؤولية الكاملة عن أي انزلاقات قد تحدث. ومن جهتها، أثبتت أظهرت المعارضة الديمقراطية، في تعدديتها، وبخوضها المعركة ونشر خيار الانتقال الديمقراطي السلمي بين قطاعات واسعة من الشعب، أن الاتفاق ممكن لتطبيق سياسة أخرى. سياسة تستعيد سيادة الشعب من أجل بناء دولة ديمقراطية واجتماعية بدلاً من إعادة تشكيل افتراضية لنظام غارق في الفساد والصراعات الجهوية.

الأمانة الوطنية للتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية

الجزائر في 3 جويلية 2021

شارك هذا المقال

Share on google
Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on email
Share on whatsapp