سيّداتي، سادتي، أعضاء المجلس الوطني، ضيوفنا وأصدقاءنا من أسرة الإعلام الأعزاء، مرحباً بكم، وأتمنى للجميع، ولو متأخرين قليلاً إذا سمحتم، عاماً جديداً سعيداً!!!
اسمحوا لي بادئ ذي بدء أن أهنّئ وأحييّ من خلالكم جميع مناضلي حزبنا على التزامهم الثابت والحازم والمتواصل، الذين، وعلى الرغم من المناخ القمعي الذي نعيشه وكافة أنواع الظلم والضغوط التي يتعرضون لها، على غرار كافة المواطنين الجزائريين الذين يناضلون في سبيل نفس القضية ومن أجل انطلاقة جديدة للبلاد، استطاعوا أن يحافظوا على نهجهم وبقوا متجنّدين لمواصلة النضال من أجل بناء دولة القانون الديمقراطية والاجتماعية.
كانت سنة 2020 سنة صعبة بالنسبة لنا جميعًا، كما أن الحصيلة على عديد من الأصعدة مُرعبة حقاً. فبالإضافة إلى جائحة عالمية لا تزال مستمرة وتسببّت في الكثير من الخسائر في الأرواح ومآسي اقتصادية واجتماعية في العديد من بيوتنا، ولآلاف من مواطنينا الذين ظلّوا عالقين وتُركوا لمصيرهم وبدون موارد لأشهر طويلة في الخارج، ومئات المواطنين الذين يُبحرون في قوارب الموت للالتحاق بأوروبا، وقد هلك العشرات منهم في عرض البحر، ضف إلى كل ذلك المئات من الاعتقالات التعسفية وسلب الحرية – أو بالأحرى الاختطاف – ردّاً على الحركة التي تطالب بالتغيير السياسي، وكذلك فقدان لمناصب شغل بالجملة، وانهيار القدرة الشرائية، نتيجة للتضخم و انخفاض قيمة العملة الوطنية، وغلق المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وأزمة السيولة… والقائمة طويلة. كل ذلك يدّل على حجم المعاناة مثلما ينبّئ بإفلاس سلطة الأمر الواقع وعجزها على إيجاد حل لانحدار البلاد نحو الجحيم، ويُعطينا في الوقت نفسه صورة عن الجهود والنضال والتعبئة التي يتوجب علينا الاستعداد لها لمواجهة النكبة التي حلّت علينا.
لقد بذل الممارسون وعمال القطاع الصحي أقصى جهودهم على الرغم من ترهل النظام الصحي وضحالة الإمكانيات المسخّرة لهم، فيما يتجنّد المحامون باستمرار ويتطوّعون للدفاع عن قضية سجناء الرأي أمام عدالة خاضعة للأوامر، كما أن هناك مناضلين ديمقراطيين وتقدّميين لم يتوقفوا عن زرع الأمل والنشاط في الميدان رغم المناورات وشتى أنواع الضغوط والتشويش من كل الجهات لغرض ترهيبهم أو إدخال الشك في نفوسهم وإجبارهم على وقف كل نشاط سياسي، وهناك أيضاً عمال في القطاعات الحيوية والمؤسسات الكبرى الذين يصمدون في وجه خطط التصفية في الوقت الذي اختارت الأجهزة النقابية الاستسلام والتخلي عن القضية، وهناك قرى وأحياء تنظّم نفسها للتعامل مع حالات الطوارئ وتمتين أواصر التضامن. كلها مؤشرات تدل على الحيوية، ودليل قاطع على أن ما يقرب من ستين سنة من الحكم الاستبدادي، منها عقدان من أبشع أنواع الفساد والشعبوية، لم تتمكن من تشويه مجتمع يملك تقاليد راسخة في الصمود والمقاومة.
أصدقائي الأعزاء،
لقد أصبحت حالة الفقر والتفاوتات المتزايدة التي يفرضها نظام فاسد على شعبنا لا تُطاق. حتى رئيس الدولة نفسه اعترف رسمياً بأن 6 ملايين أجير يعيشون تحت خط الفقر. ولا يدخل في الحساب الأجراء الذين يعملون خارج الإطار القانوني والعاطلون عن العمل الذين يشكلّون أضعف الفئات الاجتماعية. شباب من غير آفاق مستقبلية، عدا التفكير في استقلال أي قارب لعبور البحر مخاطرين بحياتهم. مدارس متهالكة في كل أرجاء الوطن ومناطق محرومة من الضروريات، وهي أحدث اكتشافات سلطة الأمر الواقع التي تعج بها نشرات أخبار قنوات التلفزيون العمومية والخاصة الخاضعة كلها للسلطة القائمة، للترويج لسياسة “اجتماعية” بصبغة شعبوية مخزية. أطفال جائعون يقتاتون من القمامات، لا يزال مشهداً مألوفاً في بعض مناطقنا بعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال الوطني. رجال ونساء زجّوا في السجون، وبعضهم تعرّض للتعذيب بسبب معتقداتهم السياسية. فيما يتعرض مواطنون آخرون للاضطهاد بسبب معتقداتهم أو حتى نمط حياتهم. وهناك نشطاء سياسيون ومدوّنون في المهجر على قدر كبير من الوعي السياسي والتمسك بوطنهم الجزائر، ولحسن حظهم أنهم في مأمن من عدالة التلفون التي لا تستطيع حبسهم، مهددون بالتجريد من الجنسية الجزائرية من قبل أصحاب القرار بذريعة الإضرار بمصالح الدولة أو وحدة الأمة. وهذا مشروع قانون آخر يحمل في طياته بذور تفكك الوحدة الوطنية.
إن آخر تقرير للأمم المتحدة عن وضعية الحريات في بلادنا، والتي تشمل الاعتقالات التعسفية ومزاعم تعذيب بحق نشطاء الحركة الثورية، يعد إهانة أخرى وطعن في تضحيات الثوار والمقاومين الجزائريين الذين تعرضوا للتعذيب أو المحكوم عليهم بالإعدام في فترة الاستعمار الحالكة. إن النظام السياسي الذي يضطهد الشعب الجزائري، وبعد إهداره ثروة الجزائر، هو اليوم بصدد تبديد رأس المال الرمزي للثورة التي حررت الوطن من نير الاستعمار. إن غياب أيّ ردّ فعل من قبل سلطة الأمر الواقع على هذا الاتهام ينمّ عن إحساسه فعلاً بالذنب.
على الصعيد الاقتصادي، لم يتم اتخاذ أي إجراءات جادة للشروع في أولى خطوات الإنعاش. فالإصلاحات الهيكلية التي أُعلن عنها مرات عديدة تم تأجيلها إلى أجل غير مسمّى. وفي الواقع، منذ عام 2018، أغلقت آلاف الشركات أبوابها وتم تسريح عشرات الآلاف من العمال. ومنذ أكتوبر 2017، كانت الأزمة المالية الناتجة عن انخفاض أسعار النفط في 2014 قد أجبرت الحكومة على اللجوء إلى التمويل غير التقليدي (طباعة النقود) لتغطية العجز الهائل المتراكم بسبب سوء التسيير المعمّم. هذا الاتجاه لن يزيد سوى تفاقماً نتيجة سياسة الهروب إلى الأمام التي ينتهجها نظام أسير منطق الصراع من أجل البقاء. وفي النتيجة، أصبح لدينا اقتصاد مصاب بعطل شامل، أو بعطل نظامي كما يسميه الخبراء.
في 2020، كانت الحكومة هي نفسها التي أمرت بوقف النشاط الاقتصادي بينما كان احتياطي الصرف يقارب 40 مليار دولار. البلد اليوم مشلول. وإنّ تراجع أو حتى تجميد الأنشطة وفقدانها يمس كافة القطاعات، وأكثرها تضرراً سوق الخدمات المنهار كليةً. فيما تأثرت مجموع الأسر بشدة من ركود قاسي ومزمن يُنذر بقلاقل كبيرة واستشراء للفقر.
وسط هذه الأجواء التي يطبعها القمع واحتجاز سجناء الرأي وتقييد الحريات الفردية والجماعية والتراجع الاقتصادي والاجتماعي، تتأهب السلطة القائمة، التي سبق لها وأن تلقت صفعتين بسبب المقاطعة الواسعة والتاريخية لصناديق الاقتراع، للعب مهزلة انتخابية جديدة في الثاني عشر من جوان المقبل. يبدو أن صنّاع القرار الفعليين، العاجزين على فتح حوار جاد للوصول إلى انتقال ديمقراطي حقيقي، وبعدما فشلوا في تحيّيد الحراك بالقمع، يراهنون على خيار التعفن. ولقد لاحظنا فعلاً أولى إرهاصات العنف الذي تدبّره وتخطّط له الأجهزة السرية المعتادة. في وسائل الإعلام العمومية والخاصة ـ الموالية للنظام ـ وكذا في مواقع التواصل الاجتماعي، انطلقت المناورات الخفية وبدأت تتعالى نداءات الأبواق المعروفة بدعمها لسلطة الأمر الواقع، إلى تفرقة صفوف الشعب الجزائري. إن السلطة تتحمل المسؤولية كاملة عن أي انزلاق محتمل.
إن افتقاد المسئولين الرسميين للشرعية والكفاءة لا يفسرّ لوحده تكرار نفس السياسات التي أدت إلى الفشل. إن النظام السياسي السائر منذ عام 1962، وتنظيم الدولة وطبيعتها ومهامها وكذا الخيارات الاقتصادية ونموذج الطاقة والمنظومة التربوية… أيّ كل ما يشكّل أنماط وأدوات التسيير والتنمية، لابد من مراجعتها كلّها. كما أن لإنشاء نماذج جديدة تحشد الطاقات وإعداد عقد اجتماعي متجدد موجّه نحو الحداثة أهمية قصوى تحدّدها مجموعة من الأسئلة.
كيف نؤسس نظاماً سياسياً يضمن التداول الديمقراطي على السلطة؟ كيف نضمن ترقية المساواة في الحقوق والعدالة؟ كيف نضمن احترام حقوق الإنسان والحريات؟ ما هي إجراءات واستراتيجيات التنمية الاقتصادية التي يجب أن تعطى لها الأولوية؟ ما هي مناهج وأشكال الدبلوماسية التي ينبغي ترقيتها؟ ما هي مكانة ودور الجيش في الدولة وفي المجتمع؟ كيف يمكن الإسراع في تدارك الفوارق الجهوية التي تعتبر مصدرا للظلم وأصبحت تشكل خطراً على وحدة الأمة؟ ما هي الإصلاحات التي يجب إدخالها على النموذج الاجتماعي الجزائري لتعزيز المساواة وتكافؤ الفرص والتضامن في بيئة تسودها الفعالية الاقتصادية؟ كيف نستخدم مواردنا الطبيعية ونحميها في إطار جهود التنمية؟
إن المواطنين الذين يواجهون السلطات العمومية بشأن إفلاسها في كل هذه المسائل وغيرها ويتساءلون عن البدائل التي تقدّمها الطبقة السياسية للخروج من هذه الأزمة، لا تنطلي عليهم الخديعة. إن إغلاق وسائل الإعلام العمومية أمام النقاش الحر وأمام أي صوت من أصوات المعارضة أو حتى أي صوت أكاديمي جاد كفيل بتوضيح الرؤى والآفاق الواعدة، فتح السبيل واسعاً لنشر الدعاية التي تقول إن أحزاب المعارضة لا تملك اقتراحات بديلة، وللترويج في نفس الوقت لمقولة “قاع كيف كيف” التي تتولى تسويقها أبواق السلطة لغرض تشويه سمعة أبرز أحزاب المعارضة.
وفي هذا الصدد، أود أن أذكّر بإيجاز بأهم المقترحات والمبادرات التي اتخذناها معًا.
أصدقائي الأعزاء،
لم ننتظر اندلاع حركة فيفري 2019 الثورية للمبادرة بنشاطات تهدف إلى كسر الجمود القاتل الذي مررنا به. أنتجنا أفكارًا تلتها أعمال ساعدتنا في تأطير النضال وفي وضع الأصبع على الجراح التي تنخر بلدنا. ففي هذه القاعة نفسها في ديسمبر 2012، وأثناء انعقاد المجلس الوطني، طالبنا بإقالة رئيس الدولة تطبيقاً للمادة 88 من الدستور المعمول به آنذاك، وإحالة جبهة التحرير الوطني على المتحف وحل البوليس السياسي من أجل السماح للبلاد بتنظيم انطلاقة جديدة.
في 2013، قدّمنا عرضًا سياسيًا يتعلق بمشروع دستور دائم طرحناه للمناقشة بمناسبة انعقاد ندوة وطنية في جوان من نفس السنة وشارك فيها ممثلون من مختلف التيارات السياسية الموجودة في المجتمع الجزائري. وفي نفس السنة، قدّمنا عرضًا سياسيًا آخر لإنشاء هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات ومرصدًا وطنيًا للانتخابات. ولقد استطعنا أن نُقنع مجموع الطبقة السياسية بتبني هذا الاقتراح الذي فرض نفسه بعد ذلك في الدستور، ولو أن الذين أدرجوه فيه ابتذلوا روحه وآلياته وأهدافه إلى حد الساعة. هذا المسعى ومشروع الدستور الدائم مهّد لمساعي تنظيم الندوة الوطنية المفتوحة في مزافران في جوان 2014 بمبادرة من التنسيقية الوطنية للحريات والانتقال الديمقراطي. كل الفاعلين الحاضرين في هذا الاجتماع تبنّوا خارطة الطريق (أرضية مزافران) الخاصة بالانتقال الديمقراطي التوافقي مع اشتراط احترام الطابع الجمهوري للدولة والمساواة في الحقوق وحرية الرأي والمعتقد، والفصل بين الدين والسياسة والتناوب على السلطة عبر صندوق الاقتراع وحده.
على صعيد آخر، كنّا منذ عام 2015 أوّل من استعملوا الراية الأمازيغية في النشاطات الرسمية والعمومية للحزب. راية ترمز إلى البعد الأمازيغي لشمال إفريقيا وتعكس رغبتنا الواضحة في استعادة هويتنا وثقافتنا العريقة وتوحيد دول شمال إفريقيا. واقتناعاً منّا بالدور الذي يجب أن يضطلع به الشباب والنساء في العمل السياسي للدفع بالخيار التقدّمي في بلدنا، أنشأنا في 2015 هياكل مخصصة للشباب والمرأة. وينطبق ذلك أيضا على قضايا التنمية، بحيث نظمنا في ماي 2015 ندوة دولية حول التنمية والاندماج الشمال إفريقي.
بمناسبة انعقاد مؤتمر فيفري 2018، صادقنا في برنامجنا المُحدّث، على مقاربات واقترحنا حلولاً لمعظم المشاكل التي تواجه بلدنا، من إعادة تأسيس الدولة إلى باقة الطاقة، مروراً بتنظيم التضامن الاجتماعي والعديد من الورشات القطاعية الأخرى.
وإيماناً منّا بضرورة ألاّ يبقى بناء شمال إفريقيا مجرد شعار، أطلقنا في الجزائر العاصمة، بمناسبة هذا المؤتمر، مبادرة بناء وتقارب بين دول شمال إفريقيا، تجسدت بتنظيم اجتماعين للأحزاب التقدمية من هذه الدول في منستير بتونس عام 2018 وفي طنجة بالمغرب عام 2019، وكان من المقرر عقد اجتماع ثالث لها في ليبيا عام 2020.
كما نظمنا ملتقى دوليًا في 2018 حول المشاركة السياسية والاقتصادية للمرأة في دول شمال إفريقيا. خلال هذا المؤتمر، ولأوّل مرة في بلدنا، دافع مسئولٌ سياسي علنًا عن قضية المساواة في الميراث بغض النظر عن الجنس. وتتذكرون جميعًا الجدل الذي أعقب هذا التصريح. كما أوضحنا خلال نفس العام، وبمناسبة جامعة الشباب التقدّمي التي نظمت في نوفمبر 2018، أن منع تدريس تاريخ الأديان في البرامج المدرسية واعتماد قراءة موجّهة للإسلام غداة الاستقلال، أدى إلى توظيف الدين لأغراض السلطة وأيضًا إلى ظهور جماعات تعارض قراءة الحكّام للدين.
بالإضافة إلى كل ذلك، لا تزال خارطة الطريق للخروج الأزمة التي قدّمها حزبنا في مارس 2019 وطرحناها للنقاش والإثراء صالحة إلى يومنا هذا. خارطة تُعدّد الفاعلين والهيئات والمهام والأهداف والآجال لإنجاح الانتقال المؤسس للقطيعة. في نفس السياق، كنّا من مؤسسّي العقد من أجل البديل الديمقراطي الذي يدعو إلى القطيعة من أجل انتقال التأسيسي.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن أحداث 2019 والأزمة الصحية التي تلتها في 2020 قد أخرّت إنجاز مشروعين آخرين كانا مُدرجين في لوائح الحزب. ويتعلق الأمر بهيئة المغتربونالتقدميون لمنح الجزائريين المقيمين في الخارج كل الفرص للمشاركة في تنمية وبناء بلدهم.لاسيما وأن في انتظار نتائج إصلاح المنظومة التربوية والجامعية، فإن إشراك مهارات مغتربينا يبدو لنا أمراً حيوياً، خاصة في المجال الاقتصادي والتسيير، حتى على مستوى المسؤوليات الحكومية. هذه الجالية هي ضحية سلطة تستمر في إقصائها وإهانتها إلى حد التهديد بتجريدها من الجنسية. والمشروع الآخر هو إنشاء معهد التكوين السياسي للتقدمييّن، وهو مشروع يتطلب منّا مساهمة فعالة.
أصدقائي الأعزاء،
إن هذه المساعي الحثيثة المكرّسة لبناء بديل ديمقراطي جاد وملموس التي شرعنا فيها منذ 2012، إلى جانب الاستقلالية في صنع القرار التي تكرّس وحدة العمل، هي التي سمحت لنا بالتوسع والتأثير المتزايد على الرأي العام. في المقابل، ومثلما كان متوقعاً، كل هذا النشاط جلب لنا حملات عدائية غير مسبوقة من قبل السلطة وأذنابها السياسية والإعلامية، ومن قبل المجنّدين الأزليين في خدمة جهاز البوليس السياسي الهَرِم.
بالإضافة إلى منعنا من وسائل الإعلام العمومية وشبه العمومية لمدة 10 سنوات، اثنان من إطاراتنا المسيّرة في ولاية غرداية عانيا من أهوال السجن لما يقرب من عامين بين 2015 وأوائل 2017 قبل تبرئتهما.
منذ فيفري 2019، سُجن ظلماً حوالي خمسة عشر من مناضلينا، بينهم عضوان في المجلس الوطني، خلال العامين الماضيين. اثنان من رؤساء مجالسنا الشعبية البلدية وعضو منتخب في مجلس شعبي ولائي تعرضوا لمضايقات قضائية. والمضايقات التي عرفتها أنا شخصياً لا علاقة لها بأي قضية شخصية. وعلى غرار مكائد الإدارة من خلال فرض الحصار والمراقبة البوليسية أو التهديدات ضد منتخبينا المحليين، يهدف هذا التكالب على مناضلينا إلى تخويفهم ومن خلالهم تخويف كل الذين يرون فينا حزبًا ديناميكيًا جديراً بالثقة ومسؤولاً ومنفتحًا للنقاش.
إن الهدف من كل هذه الضغوط على المناضلين والحزب هو تحييّدنا عن طريقنا. ولأننا تمسّكنا بنهجنا وحافظنا على حسّنا الواقعي الذي يمنعنا من الانغماس في الشعبوية والانتهازية أو التطرف، استمرت الهجمات تحت أشكال ومسميات مختلفة، بما في ذلك الكذب المنمّق وتزييف الحقائق وبث روح الانهزامية، وما إلى ذلك. ومع ذلك، فإن كل صنّاع القرار وحتى أتباعهم يدركون أن التخلي عن ميدان النضال والهروب والاستسلام ليس من شيم مناضلي التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية ولا من ثقافتهم.
الجميع، أقول الجميع، يعرفون جيداً أن التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية قد خرج نهائياً من سوق المقايضة. سوق تستوجب مراقبة بوليسية على المناضلين والهياكل الحزبية وتشكيل العُصَب بدلاً من المراقبة السياسية اللائقة بأي تنظيم سياسي يناضل من أجل تحرر المجتمع. إن الأرسيدي يؤكد بشكل لا لبس فيه على استقلالية قراره، وذلك يعتبر أساس أيّ تنظيم سياسي ديمقراطي، وهي قرارات لا يحق إلا لهيئاته المنتخبة من قبل مناضليه صياغتها بكل شفافية.
إن حزبنا سائرٌ على نهج الديمقراطية الاجتماعية ومناضلونا متجذرون في النسيج الاجتماعي، ومتلاحمون مع الشعب وتطلعاته وأولوياته وطموحاته. لذلك فنحن مسؤولون أمام مناضلينا وناخبينا. يناضل الأرسيدي من أجل بناء دولة قانون ديمقراطية لا مكان فيها للإقصاء والتشهير بجميع أنواعهما. نحن تجمّعٌ، ومثل أيّ حزب ديمقراطي اجتماعي، نحن مقتنعون بالإصلاح كوسيلة للتقدم، وبالحوار كقيمة حضارية أساسية، وبالتفاوض كأداة لتسوية النزاعات الاجتماعية والسياسية.
إن الرغبة في إعادة بناء الدولة والمجتمع، اليوم، على أنقاض النظام القديم لا يمكن أن تحظى بتأييد المواطن ولا يمكن أن تكون مرادفة لجزائر جديدة. إن أزمة السلطة والشرعية وشلل المؤسسات تجعل من الحوار السياسي الشامل ضروريًا لبناء توافق ديمقراطي وغرس الثقة والتفاؤل والتجديد السياسي في الحياة المؤسساتية. ولا يمكن اختزال ذلك في حفلات استقبال رسمية، دون جدول أعمال متفق عليه، تقدّم خلالها السلطات لمحاوريها قرارات غير فعّالة اتُخذّت من طرف واحد. لقاءات تتظاهر فيها السلطة بالاستماع والتحاور، فيما يدعّي المدعوون بانتزاع تنازلات لدرجة تحوّلهم إلى مكبّر صوت رئيس الدولة لإعلان “البُشرى”.
إن هذا الحوار، إذا كان هناك أيّ حوار، يجب أن يتم تنظيمه وتأطيره بطريقة تسمح لجميع المشاركين بالمساهمة في صياغة خارطة طريق للخروج من الأزمة ويجب أن يوافق عليها ويحترمها الجميع. كما يجب أن تمتثل المؤسسة العسكرية لمهامها المتمثلة في حماية سلامة أراضي الأمة والبقاء بمنأى عن أي تأثير أو تفاوض سياسي.
إن التنوّع حقيقة لا جدال فيها وواقع لا مفرّ منه في بلدنا، فلنجعل منه ثروة. ويسعدنا فعلاً أن يوظف الشعب ذلك كورقة رابحة في نضاله. ولقد ميّزت الوحدة في التنوّع بشكل باهر الثورة منذ انطلاقتها في فيفري 2019. إن شعاري “الجزائر حرة ديمقراطية” و”دولة مدنية ماشي عسكرية” اللّذيْن يردّدهما المتظاهرون عبر جميع أنحاء التراب الوطني، تترجم التطلع إلى إنشاء نظام سياسي تكون فيه مهام العسكريين محددة من قبل السياسيين، والتطلع إلى إقامة دولة قانون حرة وديمقراطية تكون السيادة فيها للشعب وتضمن السلم والعيش المشترك. هذه الشروط وحدها كفيلة بإعادة الثقة في المؤسسات والحكّام.
أصدقائي الأعزاء،
إن الحزب في نظرنا هو الأداة التي يستخدمها المناضلون والناخبون لإحداث التغيير وتعزيز المكاسب. أقلّ من عامين الآن تفصلنا عن تنظيم مؤتمرنا العادي السادس. خلال الأشهر المقبلة، يجب أن نفكر معًا في التعديلات التي يجب اضفائها على قانوننا الأساسي من أجل توسيع قاعدتنا النضالية وإشراك أكبر عدد ممكن من الأشخاص في صنع القرار على جميع المستويات، من أجل تعزيز استقلالية قرارنا. علينا أن نفكر أيضًا في التحسينات التي يجب إدخالها في مشروعنا، مع مراعاة الواقع المستجد في بلدنا وفي محيطه.
في مرحلة أولى، سيتعين علينا إنشاء لجان مفتوحة للشروع في أعمال البحث والمناقشة. بعد ذلك، يتوجب علينا تشكيل لجنة تتولى مهمة الإشراف وإدارة وتمويل المؤتمرات التمهيدية الجهوية والمؤتمر الوطني. لاستثمار نضالاتنا في هذا المؤتمر، علينا الشروع في هذه الورشة دون تأخير. من ناحيتي، لكي أضع كل المناضلين على نفس المستوى من المعلومة ومهما كانت أنماط التنظيم التي سيتبناها المؤتمر القادم، فمن واجبي أن أعلن اليوم أمام المجلس الوطني التي هي السلطة السياسية العليا بين مؤتمرين أنني لن أكون مرشحًا خلال المؤتمر السادس لقيادة الحزب.
يعيش التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية
تعيش الجزائر حرة وديمقراطية